الأحد، 24 أغسطس 2014

تقرير إلى "كمت" 1

بعد وقت مناسب من الألم ، و بعد فتره مناسبه من تعاطي المخدرات ، أصبحت لدي رؤيه وجوديه .
كنت في الثالثه و العشرين عندما أثارني لأول مره سؤال عميق : ماذا يوجد بداخلي ؟!
تخيلت بناء مصفوفه انسانيه بداخلي ، انسان متعب يدير ملف حديدي ضخم ، يحرك تروس كثيره ، و شعوب تعمل و تكدح ، و عوالم تتصارع و تنتظم ، لكي استطيع انا في النهايه ان اكون موجوداً ، تخيلت ملاحم تحدث بداخلي من أجل حلم وجودي لا يستطيع احد من الانسانيه القاطنه بداخلي تفسيره ، وهو حلم أن يكون لدي أمل ، أو أبتسم ، أو أحلم .
أعرف انه من قبيل الغرور ان اتخيل نفسي إله أو كون ، و لكنه لم يكن خيال او غرور ، لقد كان احساساً بالاشفاق على العاملين في الدرك الاسفل من ذاتي ، من أجل منحي إبتسامه ، أو حلم ، أو رؤيه ، أو إلهام ما من أي نوع .
كانت بداية حبي للفلسفه و التفلسف هي اشعار درويش ، و انا اسمعها تحت تأثير دخان الحشيش ، لكم من تساؤل فلسفي دار في رأسي مع الدخان ، لكم من حيره استطعت فك طلاسمها ، لكم من خريطه استطعت رسمها لشواطيء ذاتي ، لكم من كلمات استطعت سبر أغوارها ، و لكن في كل مره كان السؤال يتسع كلما اتسعت الاجابه ، يزداد صعوبه كلما ازدادت الاجابه دقه ، كانت حيره تتغذى على هزيمتها ، و شعرت في لحظه ما ان انتصاري في هذه المعركه الوجوديه في هزيمتي ، و هزيمتها في انتصارها ، انها معركه ذات نتائج عكسيه ككل شيء ماكر و معقد في هذه الحياه . ألم يقل أينشتاين من قبل ان الاجابه المعتمده على الالهام المباشر للحواس في عالم الظواهر الفيزيائيه تكون خادعه و خاطئه بالضروره ؟! .. حسناً ، انا لم استطع يوماً أن اقوم بتجزئة الوجود الى عالم فيزيائي و عالم ميتافيزيقي ، لطالما ظننت ان لكل شيء إمتداد فيزيائي ، فقط له قواعد خاصه ، ليست مختلفه ، انها تظل إمتداد لما لدينا على الارض في هذا العالم ، مسألة انه لا يوجد قطع في استمرارية الوجود ، كما انه لا يوجد قطع زمني كذلك الموجود في نهاية كل صفحه من كتاب التاريخ ، بل لا يوجد في الزمن جمله اعتراضيه أو سطر منتهي ، ربما توجد فواصل لكن لا توجد ( نقطه ومن اول السطر ) ، و لذلك كنت دائماً اتخيل ان الشروط الفيزيائيه انما تنطبق ايضاً على الاشياء المعنويه بداخلي، و لهذا فقدت الثقه في الالهام المباشر ، كان لابد من التعقيد ، و النظر بعمق أكثر ، محاولة فهم الاشياء ، و من وسط الطريق إستلهمت البدايه ، في أنني أشعر بالاشمئزاز من الحياه الماديه ، من مسألة ان اكون مستمتعاً ، ليست مازوخيه و لكنه شيء يشبه التواضع ، لم يكن بداخلي معيار اخلاقي لهذا الاحساس ، لقد كان احساس طاغي مسيطر ، بأن من الخطيئه ان اتمتع ، كنت اشعر بالاشمئزاز من ذاتي ، كان يرد الى عقلي في خيالي عن تجربتي مع المتع الماديه ان اكون جالساً عارياً و تصل الى انفي رائحة اعضائي التناسليه ، لا اعرف لماذا هذا الربط بين رائحة اعضائي التناسليه و بين استمتاعي بمباهج الحياه بدلاً من الفقراء و المتعبين ، و على كل حال لم استطع ان استمر طويلاً في تلك المعركه الصوفيه ، لقد هزمتني المرأه ، كنت محتاجاً للإستمتاع بها ، لأنني أحب النساء كحبي لكل الاشياء الجميله في هذا الوجود ، او كما قال محمود درويش "كانوا يحبون النساء كما يحبون الفواكه و المباديء و القطط" . لاحظت بعد مرور كثير من الوقت و كثير من الخيبات ان اكثر المحطات التي تمنحني الخبره و تطور الشخصيه و تصيغ معاركي الفلسفيه و النفسيه و الاخلاقيه و الدينيه و الاجتماعيه هي قصص الحب ، انني اشد ما اكون صادقاً متبتلاً في الدعاء الى الله حين اكون في قصة حب على وشك الانتهاء ، انني اشد ما اكون حائراً حين اكون في قصة حب ، انني اشد ما اكون غاضباً او حزيناً ، بعد ان اخرج من قصة حب ، قصص الحب تصيغني و تعلمني ، لقد كان عبقرياً ذلك الذي قال : نقيس اعمار البشر بالحب . اعتقد ان صاحب هذه المقوله امرأه ، ربما احدى جواري ألف ليله و ليله ، لست متأكداً .
لم تكن لي سوى تجربه واحده مع الثراء ، ثلاثة آلاف دولار امتلكتهم على سبيل الجائزه بعد ان فزت في مسابقه أدبيه ، حينها اكتشفت انني شديد التبذير ، ولا يوجد لدي مانع من أن أنفق ألف جنيه في يوم واحد على لاشيء تقريباً ، كانت تلك محطه هامه في حياتي لأنني من وقتها و لمدة خمس سنوات تعلمت اشياء سيئه للغايه ، تعلمت التدخين بشراهه ، و القلق على سلامة مستواي المادي ، تعلمت الحب ، لقد أوجد لي الحب مساحه لا نهائيه من الشعور بنعمة الحياه ، انا واحد من اولئك الرجال التعساء الذين لا يستطيعون ان يقضوا وقتاً جيداً من دون امرأه في حياتهم ، لا استطيع الابتسام الا في ظل امرأه ، لا استطيع النوم الا في حضن امرأه ، و في الغالب يكون حضن تخيلي ، إذ أنني لم أنم في حضن إمرأه في حياتي مطلقاً ، و هاقد وصلت الى سن الخامسه و العشرين ولا زلت لا اعرف كيف يكون الاحساس حين ينام الرجل و وجهه في صدر إمرأه ، وخده مسنود على زراعها ، مُحاطاً بجسدها، ينام على رائحة حضنها و يستيقظ على رائحة حضنها ، لم اعرف هذا الاحساس من قبل و بدأت اخشى ان أتشوّه أو تصيبني عاهه ما قبل ان اجرب هذا الاحساس ، فانا أُفرط في التدخين و تعاطي المخدرات ، لأن هناك الكثير من الخراء النفسي و المادي في حياتي ، الحياه قاسيه ، مثل صحراء عربيه في منتصف نهار صيفي ، و الواحات قليله ، و لا يوجد غير السراب دليلاً في الطريق ، وهو دليل يعلّمك ان تحيا بالامل ، و لكنه بعد فتره يجعلك تفقد الثقه في كل شيء . هذا جعلني اتعامل مع الامل بإعتباره فتى الاسره المدلل الغير موثوق به ، قد يسليني بعض الوقت و لكنني ابداً لن أعوّل عليه في الامور الهامه ، لن اسير وراءه في الطرق المصيريه ، بدأت اتعامل مع مشاريع الامل بنفس الطريقه التي يتعامل بها الرجال الجادّون مع اولئك المستهترون ، يذهبون معهم في مشوار ما ، او يدخلون معهم في مشروع ما ، و تتحول الاشياء الى صوره كارثيه مخجله ، عندها يلومون أنفسهم و يرددون عباره شعبويه مفادها أن "اللي يمشي ورا العيال مايخلاش من البعابيص" ، بالنسبه لي فشعوري تجاه الامل الآن مشابه ، و ان "اللي يمشي ورا الامل ما يخلاش من البعابيص" .
اصعب ما يكون اليأس حين اخرج من قصة حب ، اليأس وقتها يكون شديداً و ثقيلاً ، وكأنني أعرق قطران او مازوت ، و كأن انفاسي دخان مصانع شديد التلوث ، لدرجة انني اشعر ان زفرة مني كفيله بأن تُميت الحياه في الزهور ، و تجعل الوجوه تتشوه و تتلوى اشمئزازاً ، دعك من الحيره ، تلك الحيره التي تتقافز مثل بندول ساعه ، في ثانيه اكون بريء كالملائكه و في ثانيه اكون مذنب كالشياطين ، و بين كل ثانيه و أخرى أكون منصف ، متزن ، متعادل ، مؤمناً بأن "ليس في الامكان افضل مما كان" . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق