ما الهدف من الحياه؟.. ربما كان سؤال معقداً.. شديد التعقيد.. إجابته مختلفه متضاربه بإختلاف وتضارب جميع الأمم.. وجميع الديانات.. وجميع الثقافات..
بل بنفس درجة إختلاف وتضارب جميع أفكار البشر ونفسياتهم وأرواحهم وعقولهم وتطلعاتهم وسماتهم.. ولكن.. فعلاً.. ما الهدف من الحياه؟..
أحياناً أشعر أن الحياه معمل عملاق توجد به أنابيب الأختبار متراصه بجوار بعضها البعض في فوضى منظمه من الألوان والروائح والتركيبات بينما تتم بداخل كل انبوبه
عميلات التفاعل الكيميائيه.. تتضارب المواد وتنصهر لتتفاعل مكونه ماده جديده.. وهناك ركن يوجد به لوح كتابه أسمر وأصابع الطباشير بجواره ليتم تدوين نتائج كل
تجربه وكل تفاعل يحدث في تلك الحياه وكأن لوح الكتابه هذا هو ذاكرتنا التي نرجع إليها في كل تجربة جديده بحثاً عن تماثل ما في تفاصيل التجربتين..
ومن انابيب الاختبار إلى لوح الكتابه تركض قلوبنا وعقولنا ومشاعرنا من هنا إلى هناك في رحلة دائمة حتى لحظة الثبات حين نكف عن التجربه وإستخلاص النتائج
هي لحظة الموت..
ولكن إلى أين؟.. ما الهدف من كل تلك التجارب؟.. العلم؟.. العلم بماذا؟.. العلم بالخالق؟.. بالطبع العلم بالخالق هو ما يؤدي بدوره إلى الإيمان التام.. الإيمان القلبي
الذي قد يدخل رجلاً عاصياً زانياً قاتلاً سكيراً الجنه لقوله ذات مره في الحياه (لا إله إلا الله) بقلب صادق.. أليست تلك هي العباده؟.. ولكن تطلعات الأنسان ليست
لها حدود.. ولقد وصل الانسان في عبادته إلى مكانة سامية عند المتصوفين والعباد على مثال سيدنا الخضر معلم سيدنا موسى، وإلى درجة الأنبياء والرسل على مثال كل رسل
الله وانبيائه.. حسناً.. ماذا بعد؟ لقد كنت دائماً تائهاً حائراً أتسائل هل العباده هي الهدف الوحيد من الحياه؟.. إذن لماذا طرد سيدنا عمر بن الخطاب العابد من المسجد
قائلاً له أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضه؟.. لقد أراحتني كثيراً جملة أن العمل عباده.. ولكنني حقاً لا أفهم منطق الحياه.. ولا أستطيع قراءة خريطتها.. رجال يعملون
ويكدحون ويخوضون التجارب.. ورجال آخرين يمكثون في أماكنهم بلا حراك.. وحراكهم الوحيد يكون من أجل عمل غير مجد وغير ذي فائده وغير ذي عائد حقيقي..
ولكن الاثنان يعيشان.. بل ربما كانت حالة الرجال الماكثين في أماكنهم أفضل من حالة أولئك الذين يعملون بجد ويكدحون في ميدان الحياه.. سواء كانت هذه الحاله عقليه
أو ماديه أو دينيه أو نفسيه.. وبغض النظر عن النتائج.. فلنتكلم عن قيمة الوجود نفسه.. وجود الفرسان و وجود الموتى الاحياء.. الفرسان يتدربون على القتال وتحمل المشاق
والتصرف في وقت العوز.. ثم يتفاعلون مع الحياه.. والحياه تجيد التفاعل مع هؤلاء لأن الحياه ذبذبات متبادله بينها وبين الانسان.. فمن يتحرك أكثر يتفاعل أكثر مع
الحياه ويحصل على عدد أكبر من الأحداث التي تذهب به إلى منحنيات كثيره.. صاعده او هابطه.. ويظل الفارس متنقلا من ميدان قتال إلى آخر عبر غابة كثيفة
الفروع كثيرة الوحوش.. أما الميت الحي.. فيظل ساكناً في مكانه.. وإذا تحرك يتحرك ببطء.. وبدون إتزان.. لا يرى من الغابه غير ما تقطعه مسيرته شديدة البطء..
ولا يمر بتجارب تذكر.. ولا تتغير أمامه المشاهد ولا تختلف.. متشابهة للغاية، ودائماً ما يقبع في وسط الظلال.. لأن خطواته لا تساعده على الوصول إلى أي ميدان..
بل هائماً في الطرقات المظلمه أسفل الفروع الكثيفة.. ولكن في النهايه.. يحيا الاثنان.. وقد لا ينعم الفارس بالسعاده من جراء تلك الرحلات.. وقد لا تصيب المشاهد المتكرره
والظلال الكثيفه الموتى الأحياء بالملل.. بل ربما ينعم الميت الحي بالسعاده والهدوء وراحة البال.. ولا تصيب نفسيته القلاقل.. ولكن سواء في حالة الفارس أو الميت الحي..
ألا يجعل هذا من الحياه ساحة إنتظار؟.. لطالما رغبت من الحياه أن تكون أكثر منطقيه عما هي عليه.. للأسف فإن الحياه قد بنيت على القليل من المنطق
والكثير من اللامعقول.. لو أن الحياه خلقت على خلق المنطق.. لوجدنا ذلك الانسان، الذي تتم تربيته جيداً في منزله ثم يتفوق في مدرسته إذا كان محب لتلك الدروس
التي يدرسها.. ثم يتخرج.. ثم يتوظف في وظيفة تناسب الجهد الذي بذله في دراسته لأن المنطق يقول من جد وجد ومن زرع حصد.. يحب فتاه ثم يتزوجها وينجب الأولاد
ويربيهم جيداً لأنه تربى جيداً ولأنه تربى جيداً فبالتالي قد أحسن إختيار زوجته التي تعينه على تربية أبنائه على أحسن وجه.. يكبر في السن ويكبر الابناء ويزوجهم ثم يموت في
النهايه بعد أن أدى مهمته في الحياه المنطقيه، يموت ميتة منطقيه، فلأنه لم ينشأ على حب المخاطر يتجنب التعرض إلى الموت عن طريق حادثه شنيعه ويسير على جانب الطريق المخصص
للمشاه فيكون طريقه سالماً آمناً ولا تبقى من إفتراضات الموت إلا أن يموت في فراشه بين ذراعي زوجته التي أحبها وعاش معها ما يقارب الثلاثين أو الاربعين عاماً.. يموت عجوزاً
دافئاً ويتكلم الحانوتي عن إبتسامة الرضا التي لمحها على وجه المتوفي قائلاً (لقد رأى جنته).. ويكون العزاء مثالياً..
ولكن هذه الحياه لم تتحقق من قبل.. لم تتحقق على الاطلاق.. هناك دائماً ذلك المدرس الذي يجعله يكره الماده التي يدرسها.. أو أولئك المتنمرون الذين يجعلونه يكره الذهاب
إلى مدرسته.. هناك دائماً تلك الهنات التي تجعل من طالب فاشل من الاوائل وتجعل من آخر مثالي في الدرك الاسفل من التقييم.. هناك التوزيع الخاطيء للكليات في الجامعه
فلو كان يحب الصحافه فلسوف يجد الاب الذي يضغط عليه لدخول كلية الطب او الصيدله او الهندسه او الشرطه ان كان والده ضابطاً او الحقوق إن كان والده مستشاراً
أو معتوهاً..
ثم هناك تلك الجميله الرقيقه التي يعشقها من النظره الرابعه ولا يدرك ان عقله الباطن قد عشقها من النظرة الاولى.. ثم هناك تلك الخيانه الدائمه.. او العريس الثري.. او
الاب الرافض او الام المتشككه.. هناك دائماً ما يجعل ذلك الانسان قادراً على النسيان.. ولكن هناك دائماً ذلك التعبير الذي يرتسم على وجهه فلا ينمحي.. تعبير ان الحياه
لم تعد كما كانت من قبل.. تعبير مثل ذرة الكربون يدخل في كل شيء.. في الابتسامه وفي التكشيره.. في الاسترخاء وفي النشاط.. بل يصنع صوتاً يختلط مع قهقهة
الضحك أو نهنهة البكاء.. ثم هناك حالة الرضى.. سواء كان قهرياً او إختيارياً .. وفي رأيي فإنه لو كان اختيارياً فإن به درجة من القهريه لأنه لا يملك سوى أن يتابع
طريقه في الحياه.. هناك الزواج التقليدي.. والوظيفه التقليديه.. ووداعاً للحبيبه وللورقة والقلم ورائحة الحبر في سيور مطابع الجرائد الرجراجه والمغامرات الصحفيه
التي تكشف النقاب عن فساد فيروسات المجتمع الخفيه.. ومرحباً بالزوجة الإجباريه والوظيفة الاجباريه.. ربما ينجب وربما لا فهذه أشياء لا يمكن قياسها
بالصحة أو المرض.. ولكن هناك دائماً انحناءة الظهر تلك التي تعبر عن الهزيمة امام الحياة والاقدار.. ثم هناك ذلك الابن الفاسد رغم المشاق في محاولة تربيته بصوره جيده
ربما كان هذا الابن فاشلاً أو مدمناً أو عاق لوالديه أو شاذ جنسياً.. وتفشل محاولات ذلك الانسان في تربية إبنه.. أو ربما إبنته التي تفاجئه بخبر غير سار هو زواج عرفي
او ضياع شرف في شقه مفروشه او فشل في التواصل مع شريك حياه يطلقها لتمكث في بيت أبيها وكأنها لم تتزوج وكأنه لم يتعب ويسهر ويقلق ويجمع الاموال ويقترض الاموال
من اجل تجهيزها وتزويجها.. وعلى الرغم من انه لا يدخن مع ان الظواهر المحيطه به تقول بشده انه يجب ان يدخن.. ولكن بما اننا نتعامل مع الحياه التي نحياها.. الحياه الواقعيه..
الحياه التي لم تخلق على خلق المنطق.. سوف نفترض أنه لا يدخن لأننا لن ننحاز الى جانب المنطق هنا.. سوف نقول انه لن يدخن.. وانه سوف يتبع عادات صحيه سليمه لا يوجد بها
شرب خمر او أكل خنزير أو ميتة أو دم أو مخنقه.. كما انه لن يمارس الجنس إلا مع زوجته التي لن تفكر في ممارسة الجنس إلا معه.. إلا أنه سوف يصاب بمرض خطير.. ولن يستطيع تدبير
الدواء.. وقد يستطيع تدبيره.. في النهايه وعلى الرغم من بعده عن ميادين الخطر في كل شيء إلا أنه سوف يموت ميتة بشعه تليق بالمآسي الاغريقيه.. ربما يغرق او يسقط فوق رأسه جهاز
تكييف او يدهسه قطار او يحترق او يتسمم او تدهسه سياره مسرعه تصعد فوق الرصيف وتهرسه في الجدار الذي يسير هو ملاصقاً له لتجنب خطر السيارات المسرعه.. في الغالب لن يرى
الحانوتي وجهه او ربما لن يهتم برؤيته ولسوف يروى إلى المقربين عن الثعبان الذي توارى مسرعاً حين فتح القبر او ان المرحوم لم يكن يريد ان يدخل القبر (وعافر كتير معانا)..
هذا هو منطق الحياه.. اللا منطق.. فمرحباً بكم في أرض الجنون..
ولكن أتدرون أمراً؟.. لقد أدركت وانا اكتب هذه السطور انني لو قدر لي الاختيار بين الحياتين.. فلسوف أختار الحياه الثانيه التي هي بلا منطق.. الحياه التي نحياها.. أتدرون لماذا؟..
إن المنطق دائماً متعب مرهق.. فلو أن حياتنا حددت بمنطق معين مثل منطق الانسان في المثال الاول ذلك الذي منح معطيات مثاليه فحصل على نتائج مثاليه لكانت الحياه ظالمه.. فمن ذا الذي
يمنح معطيات مثاليه في هذه الحياه؟.. كلنا نحصل على معطيات منها المثالي ومنها السيء.. فأي منطق ذلك الذي يحكم على حياة المرء منا قبل أن تبدأ؟.. كما أن المنطق سوف يجعل حياتنا
محدده بحدود قدراتنا.. ابداً لن تستطيع الانتصار على نفسك.. على اخطائك.. على معطياتك ..سوف تكون قادراً فقط على النجاح في حدود ما تستطيع.. طالما أن منطق تصرفاتك هو ما يحكمك
وانت لست كلي القدرات..
فنحن لسنا وحدنا في العالم.. بل معنا الله الذي يمنح حياتنا تحديات ومواجهات ويساعدنا بحكمه بالغة التعقيد وشديدة الكمال على تحقيق ما نريد.. بل ويجعلنا ننتصر على طبيعتنا المتناهيه ليجعل منا
مخلوقات غير متناهيه .. مخلوقات تخرج من الكهف إلى سكنى الفضاء والقمر والبحث في قلب الكواكب البعيده..
لو عشنا بالمنطق لن تكون هناك أبداً تحولات دراميه تقلب حياة المرء منا رأساً على عقب عدة مرات حتى لا يدرك اتجاهاته في تلك الحياه.. فيضطر الى صنع اتجاهاته الخاصه مما
يجعله كون في ذاته.. كون كامل بكواكبه ونجومه وقوانينه الفيزيائيه.. هذا ما يجعل منا بشر، متفردون في ذواتنا، وليس ألعاب يتم انتاجها على خط انتاج مصنع العاب بلاستيكيه بلا ملامح بل
متشابهه.. انني اعشق اختلاف ملامح حياة كل انسان.. ان هذا ما يكسب الحياه قيمة.. انا لست انت.. وانت لست انا.. لكل منا تجاربه وخبرته.. او تعرفون امراً؟.. ان الفارق بين الموتى الاحياء
وبين الفرسان هو أن الموتى الاحياء ضعاف.. قد تكون حياتهم جيده مثل الانسان الذي منح مقدمات حياه مثاليه في المثال الاول.. وقد يحصلون على معطيات سيئه وشديدة القبح مثل ذلك الانسان
في المثال الثاني..
فسواء حصلوا على هذه المعطيات او تلك.. تكون حياتهم تطبيقاً للمثالين.. خط مستقيم يتحرك من بدايه محدده الى نهايه محدده دون اي تعرجات او منحنيات تدل على انه على قيد الحياه..اما الفارس فهو
يتفاعل مع تلك المعطيات، يتفاعل ويدون نتائج كل تجربه على لوح الكتابة حتى يتعلم من اخطائه.. سوف يكون قادراً على التصرف.. وفي لحظات معينه.. لحظات ليس هناك اي سبب في تميزها
سوى ان الله اختارها بحكمته.. في تلك اللحظات.. سوف يساعده الله.. ويجعل الامور تسري من دون اي تصرف منه.. ودون اي فعل.. يحدث شيئاً طارئاً يجعل ما كان مستحيلاً ممكناً..
ويقلب ما كان أكبر عائق إلى أفضل طريق للوصول الى الغاية المنشوده.. اعتقد ان الحياه ليست سوى معمل للتفاعل.. دائماً هناك نتائج تكتب على لوح الكتابة الاسمر .. اما النتيجة النهائية..
نتيجة كل تلك التفاعلات التي تتم في معمل الحياه الضخم..
هذه النتيجه لا يمكن ان توجد.. لأنها لو وجدت لفقدت الحياه أهم معانيها.. الحركه والاستمراريه ومتعة التحدي ونشوة الانتصار..
يا رب.. ساعدني على أن أنجح في طريقي واقدر لي الخير حيث شئت واستجب لدعائي في جوف الليل فأنا في أشد الحاجه ليد العون منك يا كريم يا عظيم يا من لا اله الا انت.
بل بنفس درجة إختلاف وتضارب جميع أفكار البشر ونفسياتهم وأرواحهم وعقولهم وتطلعاتهم وسماتهم.. ولكن.. فعلاً.. ما الهدف من الحياه؟..
أحياناً أشعر أن الحياه معمل عملاق توجد به أنابيب الأختبار متراصه بجوار بعضها البعض في فوضى منظمه من الألوان والروائح والتركيبات بينما تتم بداخل كل انبوبه
عميلات التفاعل الكيميائيه.. تتضارب المواد وتنصهر لتتفاعل مكونه ماده جديده.. وهناك ركن يوجد به لوح كتابه أسمر وأصابع الطباشير بجواره ليتم تدوين نتائج كل
تجربه وكل تفاعل يحدث في تلك الحياه وكأن لوح الكتابه هذا هو ذاكرتنا التي نرجع إليها في كل تجربة جديده بحثاً عن تماثل ما في تفاصيل التجربتين..
ومن انابيب الاختبار إلى لوح الكتابه تركض قلوبنا وعقولنا ومشاعرنا من هنا إلى هناك في رحلة دائمة حتى لحظة الثبات حين نكف عن التجربه وإستخلاص النتائج
هي لحظة الموت..
ولكن إلى أين؟.. ما الهدف من كل تلك التجارب؟.. العلم؟.. العلم بماذا؟.. العلم بالخالق؟.. بالطبع العلم بالخالق هو ما يؤدي بدوره إلى الإيمان التام.. الإيمان القلبي
الذي قد يدخل رجلاً عاصياً زانياً قاتلاً سكيراً الجنه لقوله ذات مره في الحياه (لا إله إلا الله) بقلب صادق.. أليست تلك هي العباده؟.. ولكن تطلعات الأنسان ليست
لها حدود.. ولقد وصل الانسان في عبادته إلى مكانة سامية عند المتصوفين والعباد على مثال سيدنا الخضر معلم سيدنا موسى، وإلى درجة الأنبياء والرسل على مثال كل رسل
الله وانبيائه.. حسناً.. ماذا بعد؟ لقد كنت دائماً تائهاً حائراً أتسائل هل العباده هي الهدف الوحيد من الحياه؟.. إذن لماذا طرد سيدنا عمر بن الخطاب العابد من المسجد
قائلاً له أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضه؟.. لقد أراحتني كثيراً جملة أن العمل عباده.. ولكنني حقاً لا أفهم منطق الحياه.. ولا أستطيع قراءة خريطتها.. رجال يعملون
ويكدحون ويخوضون التجارب.. ورجال آخرين يمكثون في أماكنهم بلا حراك.. وحراكهم الوحيد يكون من أجل عمل غير مجد وغير ذي فائده وغير ذي عائد حقيقي..
ولكن الاثنان يعيشان.. بل ربما كانت حالة الرجال الماكثين في أماكنهم أفضل من حالة أولئك الذين يعملون بجد ويكدحون في ميدان الحياه.. سواء كانت هذه الحاله عقليه
أو ماديه أو دينيه أو نفسيه.. وبغض النظر عن النتائج.. فلنتكلم عن قيمة الوجود نفسه.. وجود الفرسان و وجود الموتى الاحياء.. الفرسان يتدربون على القتال وتحمل المشاق
والتصرف في وقت العوز.. ثم يتفاعلون مع الحياه.. والحياه تجيد التفاعل مع هؤلاء لأن الحياه ذبذبات متبادله بينها وبين الانسان.. فمن يتحرك أكثر يتفاعل أكثر مع
الحياه ويحصل على عدد أكبر من الأحداث التي تذهب به إلى منحنيات كثيره.. صاعده او هابطه.. ويظل الفارس متنقلا من ميدان قتال إلى آخر عبر غابة كثيفة
الفروع كثيرة الوحوش.. أما الميت الحي.. فيظل ساكناً في مكانه.. وإذا تحرك يتحرك ببطء.. وبدون إتزان.. لا يرى من الغابه غير ما تقطعه مسيرته شديدة البطء..
ولا يمر بتجارب تذكر.. ولا تتغير أمامه المشاهد ولا تختلف.. متشابهة للغاية، ودائماً ما يقبع في وسط الظلال.. لأن خطواته لا تساعده على الوصول إلى أي ميدان..
بل هائماً في الطرقات المظلمه أسفل الفروع الكثيفة.. ولكن في النهايه.. يحيا الاثنان.. وقد لا ينعم الفارس بالسعاده من جراء تلك الرحلات.. وقد لا تصيب المشاهد المتكرره
والظلال الكثيفه الموتى الأحياء بالملل.. بل ربما ينعم الميت الحي بالسعاده والهدوء وراحة البال.. ولا تصيب نفسيته القلاقل.. ولكن سواء في حالة الفارس أو الميت الحي..
ألا يجعل هذا من الحياه ساحة إنتظار؟.. لطالما رغبت من الحياه أن تكون أكثر منطقيه عما هي عليه.. للأسف فإن الحياه قد بنيت على القليل من المنطق
والكثير من اللامعقول.. لو أن الحياه خلقت على خلق المنطق.. لوجدنا ذلك الانسان، الذي تتم تربيته جيداً في منزله ثم يتفوق في مدرسته إذا كان محب لتلك الدروس
التي يدرسها.. ثم يتخرج.. ثم يتوظف في وظيفة تناسب الجهد الذي بذله في دراسته لأن المنطق يقول من جد وجد ومن زرع حصد.. يحب فتاه ثم يتزوجها وينجب الأولاد
ويربيهم جيداً لأنه تربى جيداً ولأنه تربى جيداً فبالتالي قد أحسن إختيار زوجته التي تعينه على تربية أبنائه على أحسن وجه.. يكبر في السن ويكبر الابناء ويزوجهم ثم يموت في
النهايه بعد أن أدى مهمته في الحياه المنطقيه، يموت ميتة منطقيه، فلأنه لم ينشأ على حب المخاطر يتجنب التعرض إلى الموت عن طريق حادثه شنيعه ويسير على جانب الطريق المخصص
للمشاه فيكون طريقه سالماً آمناً ولا تبقى من إفتراضات الموت إلا أن يموت في فراشه بين ذراعي زوجته التي أحبها وعاش معها ما يقارب الثلاثين أو الاربعين عاماً.. يموت عجوزاً
دافئاً ويتكلم الحانوتي عن إبتسامة الرضا التي لمحها على وجه المتوفي قائلاً (لقد رأى جنته).. ويكون العزاء مثالياً..
ولكن هذه الحياه لم تتحقق من قبل.. لم تتحقق على الاطلاق.. هناك دائماً ذلك المدرس الذي يجعله يكره الماده التي يدرسها.. أو أولئك المتنمرون الذين يجعلونه يكره الذهاب
إلى مدرسته.. هناك دائماً تلك الهنات التي تجعل من طالب فاشل من الاوائل وتجعل من آخر مثالي في الدرك الاسفل من التقييم.. هناك التوزيع الخاطيء للكليات في الجامعه
فلو كان يحب الصحافه فلسوف يجد الاب الذي يضغط عليه لدخول كلية الطب او الصيدله او الهندسه او الشرطه ان كان والده ضابطاً او الحقوق إن كان والده مستشاراً
أو معتوهاً..
ثم هناك تلك الجميله الرقيقه التي يعشقها من النظره الرابعه ولا يدرك ان عقله الباطن قد عشقها من النظرة الاولى.. ثم هناك تلك الخيانه الدائمه.. او العريس الثري.. او
الاب الرافض او الام المتشككه.. هناك دائماً ما يجعل ذلك الانسان قادراً على النسيان.. ولكن هناك دائماً ذلك التعبير الذي يرتسم على وجهه فلا ينمحي.. تعبير ان الحياه
لم تعد كما كانت من قبل.. تعبير مثل ذرة الكربون يدخل في كل شيء.. في الابتسامه وفي التكشيره.. في الاسترخاء وفي النشاط.. بل يصنع صوتاً يختلط مع قهقهة
الضحك أو نهنهة البكاء.. ثم هناك حالة الرضى.. سواء كان قهرياً او إختيارياً .. وفي رأيي فإنه لو كان اختيارياً فإن به درجة من القهريه لأنه لا يملك سوى أن يتابع
طريقه في الحياه.. هناك الزواج التقليدي.. والوظيفه التقليديه.. ووداعاً للحبيبه وللورقة والقلم ورائحة الحبر في سيور مطابع الجرائد الرجراجه والمغامرات الصحفيه
التي تكشف النقاب عن فساد فيروسات المجتمع الخفيه.. ومرحباً بالزوجة الإجباريه والوظيفة الاجباريه.. ربما ينجب وربما لا فهذه أشياء لا يمكن قياسها
بالصحة أو المرض.. ولكن هناك دائماً انحناءة الظهر تلك التي تعبر عن الهزيمة امام الحياة والاقدار.. ثم هناك ذلك الابن الفاسد رغم المشاق في محاولة تربيته بصوره جيده
ربما كان هذا الابن فاشلاً أو مدمناً أو عاق لوالديه أو شاذ جنسياً.. وتفشل محاولات ذلك الانسان في تربية إبنه.. أو ربما إبنته التي تفاجئه بخبر غير سار هو زواج عرفي
او ضياع شرف في شقه مفروشه او فشل في التواصل مع شريك حياه يطلقها لتمكث في بيت أبيها وكأنها لم تتزوج وكأنه لم يتعب ويسهر ويقلق ويجمع الاموال ويقترض الاموال
من اجل تجهيزها وتزويجها.. وعلى الرغم من انه لا يدخن مع ان الظواهر المحيطه به تقول بشده انه يجب ان يدخن.. ولكن بما اننا نتعامل مع الحياه التي نحياها.. الحياه الواقعيه..
الحياه التي لم تخلق على خلق المنطق.. سوف نفترض أنه لا يدخن لأننا لن ننحاز الى جانب المنطق هنا.. سوف نقول انه لن يدخن.. وانه سوف يتبع عادات صحيه سليمه لا يوجد بها
شرب خمر او أكل خنزير أو ميتة أو دم أو مخنقه.. كما انه لن يمارس الجنس إلا مع زوجته التي لن تفكر في ممارسة الجنس إلا معه.. إلا أنه سوف يصاب بمرض خطير.. ولن يستطيع تدبير
الدواء.. وقد يستطيع تدبيره.. في النهايه وعلى الرغم من بعده عن ميادين الخطر في كل شيء إلا أنه سوف يموت ميتة بشعه تليق بالمآسي الاغريقيه.. ربما يغرق او يسقط فوق رأسه جهاز
تكييف او يدهسه قطار او يحترق او يتسمم او تدهسه سياره مسرعه تصعد فوق الرصيف وتهرسه في الجدار الذي يسير هو ملاصقاً له لتجنب خطر السيارات المسرعه.. في الغالب لن يرى
الحانوتي وجهه او ربما لن يهتم برؤيته ولسوف يروى إلى المقربين عن الثعبان الذي توارى مسرعاً حين فتح القبر او ان المرحوم لم يكن يريد ان يدخل القبر (وعافر كتير معانا)..
هذا هو منطق الحياه.. اللا منطق.. فمرحباً بكم في أرض الجنون..
ولكن أتدرون أمراً؟.. لقد أدركت وانا اكتب هذه السطور انني لو قدر لي الاختيار بين الحياتين.. فلسوف أختار الحياه الثانيه التي هي بلا منطق.. الحياه التي نحياها.. أتدرون لماذا؟..
إن المنطق دائماً متعب مرهق.. فلو أن حياتنا حددت بمنطق معين مثل منطق الانسان في المثال الاول ذلك الذي منح معطيات مثاليه فحصل على نتائج مثاليه لكانت الحياه ظالمه.. فمن ذا الذي
يمنح معطيات مثاليه في هذه الحياه؟.. كلنا نحصل على معطيات منها المثالي ومنها السيء.. فأي منطق ذلك الذي يحكم على حياة المرء منا قبل أن تبدأ؟.. كما أن المنطق سوف يجعل حياتنا
محدده بحدود قدراتنا.. ابداً لن تستطيع الانتصار على نفسك.. على اخطائك.. على معطياتك ..سوف تكون قادراً فقط على النجاح في حدود ما تستطيع.. طالما أن منطق تصرفاتك هو ما يحكمك
وانت لست كلي القدرات..
فنحن لسنا وحدنا في العالم.. بل معنا الله الذي يمنح حياتنا تحديات ومواجهات ويساعدنا بحكمه بالغة التعقيد وشديدة الكمال على تحقيق ما نريد.. بل ويجعلنا ننتصر على طبيعتنا المتناهيه ليجعل منا
مخلوقات غير متناهيه .. مخلوقات تخرج من الكهف إلى سكنى الفضاء والقمر والبحث في قلب الكواكب البعيده..
لو عشنا بالمنطق لن تكون هناك أبداً تحولات دراميه تقلب حياة المرء منا رأساً على عقب عدة مرات حتى لا يدرك اتجاهاته في تلك الحياه.. فيضطر الى صنع اتجاهاته الخاصه مما
يجعله كون في ذاته.. كون كامل بكواكبه ونجومه وقوانينه الفيزيائيه.. هذا ما يجعل منا بشر، متفردون في ذواتنا، وليس ألعاب يتم انتاجها على خط انتاج مصنع العاب بلاستيكيه بلا ملامح بل
متشابهه.. انني اعشق اختلاف ملامح حياة كل انسان.. ان هذا ما يكسب الحياه قيمة.. انا لست انت.. وانت لست انا.. لكل منا تجاربه وخبرته.. او تعرفون امراً؟.. ان الفارق بين الموتى الاحياء
وبين الفرسان هو أن الموتى الاحياء ضعاف.. قد تكون حياتهم جيده مثل الانسان الذي منح مقدمات حياه مثاليه في المثال الاول.. وقد يحصلون على معطيات سيئه وشديدة القبح مثل ذلك الانسان
في المثال الثاني..
فسواء حصلوا على هذه المعطيات او تلك.. تكون حياتهم تطبيقاً للمثالين.. خط مستقيم يتحرك من بدايه محدده الى نهايه محدده دون اي تعرجات او منحنيات تدل على انه على قيد الحياه..اما الفارس فهو
يتفاعل مع تلك المعطيات، يتفاعل ويدون نتائج كل تجربه على لوح الكتابة حتى يتعلم من اخطائه.. سوف يكون قادراً على التصرف.. وفي لحظات معينه.. لحظات ليس هناك اي سبب في تميزها
سوى ان الله اختارها بحكمته.. في تلك اللحظات.. سوف يساعده الله.. ويجعل الامور تسري من دون اي تصرف منه.. ودون اي فعل.. يحدث شيئاً طارئاً يجعل ما كان مستحيلاً ممكناً..
ويقلب ما كان أكبر عائق إلى أفضل طريق للوصول الى الغاية المنشوده.. اعتقد ان الحياه ليست سوى معمل للتفاعل.. دائماً هناك نتائج تكتب على لوح الكتابة الاسمر .. اما النتيجة النهائية..
نتيجة كل تلك التفاعلات التي تتم في معمل الحياه الضخم..
هذه النتيجه لا يمكن ان توجد.. لأنها لو وجدت لفقدت الحياه أهم معانيها.. الحركه والاستمراريه ومتعة التحدي ونشوة الانتصار..
يا رب.. ساعدني على أن أنجح في طريقي واقدر لي الخير حيث شئت واستجب لدعائي في جوف الليل فأنا في أشد الحاجه ليد العون منك يا كريم يا عظيم يا من لا اله الا انت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق